.. إنتل تعترف بأخطائها: أصابنا البطء والجمود، وسنغير من طريقتنا

.. إنتل تعترف بأخطائها: أصابنا البطء والجمود، وسنغير من طريقتنا />

03/01/2019

علي غير عادة إنتل Intel في الفترة الأخيرة، نظمت الشركة مؤتمرا صحفيا دعت اليه الصحفيين لتصارحهم بخططها المستقبلية، وبخبايا الشركة في الفترة الأخيرة، ولقد كان هذا المؤتمر كاشفا للكثير! و بعض هذا الكثير مثير للدهشة الي أبعد الحدود! بل والحسرة كذلك!


بداية فان هذه الخطوة تمثل عودة Intel لتنظيم مؤتمرات سنوية تناقش فيها خططها المستقبلية، بعد أن كانت قد توقفت عن ممارسة هذه المؤتمرات لعدة سنوات، وهي تلك السنوات التي توقفت فيها عن الابداع واستمرت في التكرار والتخبط السوقي، وهي عودة حميدة تعكس ثقة جزئية للشركة في ما ستقدمه مستقبلا.



خريطة طريق Intel لمعالجات Core المستقبلية .. ويظهر فيها ثلاثة أجيال متتابعة بدءا من 2019 ..


لكن المؤتمر لم يتوقف عند هذا فحسب، بل امتد الي الكشف عن بعض أسرار Intel والمشكلات التي تعرضت لها في الفترة السابقة، وكيف أثر هذا علي تنافسيتها.


ولقد بدأ الحديث باعتراف مسئولو Intel أن الشركة أصبحت بطيئة وبيروقراطية للغاية، بسبب حجمها الضخم، وامتلات بالروتين والرتابة والنمطية في التعامل والابتكار، وهذا بسبب حجم الشركة الهائل، وتضخم طاقم الادارة والتسويق فيها، ولقد أدي هذا الي تباطئ حركة الشركة ومناوراتها عموما. حتي علي مستوي الدعاية والتسويق!


وفوق كل هذا، فقد كانت الشركة تميل الي الافكار التقليدية وتحسين ما هو موجود، دون الرغبة في الابتكار والتجديد، لقد تفشي لدي الشركة الخوف من المخاطرة وتجربة كل ما هو جديد، او الرهبة من الخروج عن المألوف. والمخاطرة والتجريب بالذات هي صفات تتحلي بها الشركات الناجحة التي تحقق قفزات تقنية كبيرة. أما الأفكار التقليدية فهي لا تسمن ولا تغني من جوع وتتركك خلف المنافسين تسعل ترابهم.


 بل إن Intel كانت متحجرة الرأي للغاية في تمسكها بالمضمون، الي درجة أن هذا قد تطلب استجلاب دماء جديدة كليا من خارج الشركة لتكسر جمود وعناد Intel.


جلبت Intel مهندسين من AMD من قطاع المعالجات المركزية والرسومية، عُرف عنهم المخاطرة والابتكار والتفكير خارج الصندوق، أمثال Jim Keller و Raja Koduri وغيرهم .. ووكلت اليهم مهمة تحطيم جمود النمطية والتفكير التقليدي.


وتحطيم البطء أيضا، فعلي ما يبدو أن الشركة قد أصابها عدوي البطء والتمهل الزائد عن الحد، وكمثال لبطء الشركة فان Jim Keller كان يطلب اتمام بعض المهام، فيتلقي ردا بان المهمة ستتم بعد شهر! وهي فترة طويلة للغاية بالنسبة لـ Jim الذي كان يطلب انهاءها غدا!


وأولي خطوات تحطيم جليد تصلب الرأي والنمطية لدي Intel هو فصل عملية تحسين معمارية المعالج، عن عملية تصينع المعالج نفسه!


لقد اكتشفنا جميعا أن Intel ترتكب خطأ فادحا وشنيعا طوال الأربع سنوات الأخيرة، لقد كانت الشركة تؤجل تحسين معمارية معالجاتها حتي انتهاء عملية تصنيع 10nm، في واحد من أكثر القرارات النمطية حماقة في تاريخ التقنية المعاصر! ما الذي يمكن أن يدفع شركة الي اتخاذ قرار غريب مثل هذا؟! لا ندري حقا!


وباعترافات مهندسي Intel، فلقد كان بامكان كل معالجات 14nm التي صدرت في الآونة الأخيرة أن تأتي بمعمارية أحدث وأداء أقوي! لكن الروتين والرتابة اللتين تخللتا أرجاء الشركة منع هذه الأفكار من النزول الي ساحة المنافسة، وحجبها تصلب الرأي لدي Intel عن النزول الا علي دقة تصنيع 10nm!


ولما كانت عملية تصنيع 10nm فاشلة ومتأخرة للغاية لدي Intel، فلقد استفاقت الشركة علي وقع انكماش الفجوة التنافسية بينها وبين منافسيها، لقد وجدت Intel ان معالجات 14nm خاصتها كان من الممكن أن تأتي بتحسينات كثيرة في المعمارية، تحافظ علي فجوتها التنافسية. الا أن تصلب الرأي لديها أضاع عليها هذه الفرصة، ومكن منافسيها من اللحاق بها.


تأخرت Intel في دقات التصنيع كثيرا، وكل عام للاصدار يتم شطبه وتأجيله الي عام لاحق ..


وفي هذا الاطار يمكننا ان نرسم صورة مفزعة نفهم منها كيف فشلت Intel في انجاز عملية تصنيع 10nm طوال كل هذه السنوات؟! فاتمام دقات التصنيع متناهية الصغر تلك لا يمكن أن تفعله شركة يتخللها الرتابة والنمطية والبطء والتكاسل.


وكما ذكرنا في مقالة Intel الكهل العجوز، فلقد انشغلت Intel بشراء الشركات الصغيرة في الأسواق الصاعدة مثل الذكاء الاصطناعي وقيادة السيارات، وانشغلت بمنافسة NVIDIA في سوق الحوسبة، الي حد أنها تركت قلبها النابض في سوق المعالجات المركزية يضمحل ويمرض تحت أكوام تراب النمطية والاهمال.  لقد جن جنون المحللين في محاولاتهم تفسير تقهقر Intel في تقديم معماريات جديدة كل عام، وصاغوا لهذا النظريات والاحتمالات، لكن فاتهم جميعا أبسط الأسباب وأكثرها تفاهة، لقد انشغلت الشركة بأمور أخري، واصابها البطء والعناد، والغباء في ربط التحسينات المعمارية بدقات التصنيع!


لكن الشركة أعلنت ان هذا الخطأ الفادح سيتم تداركه، وسيتم الفصل بدءا من 2019، سيتم عمل تحسينات دورية للمعمارية حتي لو تأخرت دقات التصنيع، ان المستهلك يشتري معالجا ولا يشتري دقة تصنيع ومن حقه الحصول علي معالج يعمل بأفضل معمارية ممكنة لدي الشركة دون تأجيل او تسويف. وهي فلسفة أدركتها AMD قبل Intel، وكانت واحدة من الأسباب التي ساهمت في نجاح معمارية Zen ومعالجات Ryzen.


لقد رفعت Intel شعارا جديدا، لن نترك ابتكارا واحدا وراءنا بعد اليوم no performance is left behind.

وبفضل دماء المهندسين الجدد لدي Intel، فان الشركة ستسعي للمخاطرة في التصميمات وابتكار الجديد، وستسعي الي تطوير تصميمات احتياطية لحالات الطوارئ والأعطال، حتي لا تتكرر بلوة تأخير 10nm. كل هذا اضافة الي التأكيد علي فصل التصنيع عن التصميم بلا رجعة.


وكنتيجة لهذا فان التخبط الذي مرت به Intel من المفترض أن ينتهي، لقد تخبطت الشركة علي مدار عدة أجيال، منذ معالج 6700K مرورا بـ 7700K و 7980XE، ثم 8700K ثم 9900K و اعادة الكرة بـ9980XE! ستة أجيال في فترة زمنية قصيرة دون فارق ملموس وواضح في الأداء. ودون أي تحسين حقيقي في معمارية أي منهم!


لقد وقعت الشركة في حيرة بين زيادة تردد المعالجات وزيادة الأنوية! وهي حيرة أوقعتها فيها AMD بمعالجاتها التي أتت بعدد أنوية كبير، اضطر هذا Intel الي القفز من 7700K وعائلته وهم معالجات عالية التردد، قليلة الأنوية، وتركز أكثر علي أداء النواة الواحدة، الي معالج 7980XE وعائلته وهم معالجات قليلة التردد لكن كثيرة الأنوية، وتركز أكثر علي أداء الأنوية المتعددة علي حساب أداء النواة الواحدة. وبطبيعة الحال لم تلق تلك الفئة نجاحا ملموسا لدي المستخدمين الذين تعودوا علي أداء النواة الواحدة العالي من Intel. فاضطرت الشركة الي اعادة الكرة من جديد في 8700K وعائلته بزياة الأنوية والتردد معا، وعندما لم يعد هذا كافيا، كررت زيادة الأنوية والتردد من جديد في 9900K، وفي 9980XE وعائلته.


لقد أتت كل تلك المعالجات بدقة تصنيع 14nm وبمعمارية متشابهة تقريبا، بعد أن تم حجب تحسينات المعمارية عنها انتظارا لدقة تصنيع 10nm، لهذا بدت كل تلك الأجيال متماثلة تقريبا، وبدت حلولا غير مقنعة لكثير من المستخدمين الذي انتظروا قفزات في الأداء أكبر بكثير مما تم تقديمه. لقد أذت Intel نفسها ومعها جموع المستخدمين بتفكيرها الأخرق هذا. ولقد آن الآوان لهذا التخبط وانعدام التخطيط المسبق الجيد أن يتغير.


ولقد قررت Intel العودة الي ما يجعلها قوية في الأصل، الي تحسين أداء النواة الواحدة، فهو المسئول عن رفع أداء المعالج ككل في أغلب التطبيقات.


ستأتي معالجات Intel في 2019، بتردد زائد، وبطقم تعليمات AVX 512 وبوحدات تنفيذية أوسع وأكثر عرضا، وبذواكر مساعدة Caches أكبر حجما. وسيساعد كل هذا المعالج في تنفيذ عدد أكبر من الأوامر في كل تردد، مما يرفع من أداء كل نواة علي حدة، وبالتالي أداء المعالج ككل.


بل إن Intel تنتوي ان تحمل معالجاتها وحدات ذكاء اصطناعي AI مستقبلا مثل أغلب معالجات الهواتف الجوالة ومثل معالجات NVIDIA الرسومية. وهو اتجاه عام للصناعة الآن، لقد حملت معالجات Apple و Samsung وHuawei ..و كذلك Qualcomm وحدات ذكاء اصطناعي صريحة.


وكجزء من سعي الشركة الحثيث نحو تجربة الجديد واجتياز المخاطر، فان Intel تنتوي الدخول بكل قوة في تقنيات التصنيع الغير تقليدية، وتحديدا الدخول في معمعة تكديس أنوية المعالجات فوق بعضها البعض بدلا من جنبا الي جنب، في محاولة لزيادة عدد الأنوية الكلي، وهي التقنية التي يطلق عليها اسم 3D Stacking، وكانت في الماضي غير عملية بسبب الحرارة الكبيرة الناتجة منها، فالأجزاء السفلي للمعالج ستكون بعيدة عن سطح المبردات والمراوح، مما يتركها بلا تبريد، ويرفع درجة حرارة المعالج لمستويات الغليان. لكن Intel تنوي التغلب علي هذه العقبة باستخدام طريقة رص ذكية لأجزاء المعالج، فتضع الأجزاء الساخنة أعلي سطح المعالج، وتضع الأجزاء التي لها خرج حراري قليل بالأسفل.


كما ستقوم الشركة بالدخول أيضا في مجال تصميم المعالجات الهجينة، والتي تحوي أنوية مخلطة بدقات تصنيع مختلفة، وهو الأمر الذي تفعله AMD بالفعل في معالجات Epyc 2 التي ستأتي بأنوية مصنعة بـ7nm و 14nm. وتنتوي Intel أن تفعل مثل AMD، وأن تزيد عليها في دعم معالجات مختلفة علي شريحة واحدة، مثلا معالج Core i3 ذو نواة واحدة، مع معالج Atom ذو أربعة أنوية، وهو تصميم يشبه أيضا تصميمات ARM في معالجات المحمول، تلك التي يطلق عليها big.LITTLE.


باختصار فان Intel تنتوي اقتباس صفحة من كل منافسيها بعد أن تخلت عن طريقة تفكيرها القديمة العقيمة، وهو أمر ناتج مباشرة من الدماء الجديدة التي ضختها في عروقها. مما سيؤدي الي ارتفاع مستوي مرونة الشركة في حلولها التقنية.


لقد تضخمت Intel كثيرا، فأصابها الغرور والكبر، وطالها التسيب والتصلب، ككهل عجوز مريض، لكنها الآن تنفض كل هذا و تبدو أكثر تواضعا، وتقرر أن تعود لنشاطها ورشاقة حركتها، بعد أن تلقت علاجا جديدا أعاد تجديد بعضا من طاقتها.


إن Intel تعد بأن العشرة سنوات القادمة ستشهد تغييرات في معمارية المعالجات، أكثر من الـ 50 عاما المنصرمة، وهي وعود قوية من الشركة، لكن السؤال الذي يظل معلقا بلا جواب، هل تنجح Intel في أن تكون في طليعة تنفيذ تلك الوعود؟ أم تسقط فريسة للجمود والتحجر مرة أخري؟


  • Posted By  :اشرف بغدادي